بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيم
فإن من أعظم الطُرق المؤدية إلى محبة الله – عزوجل - في الدنيا والفوز بجنته في الآخرة التمسك بكتابه العظيم وبسنة نبيه محمد - صلى الله عليه وسلم – والعمل بهما على فهم سلف الأمة - رحمهم الله تعالى - , وقد أنزل سبحانه وتعالى كلامه العظيم بواسطة جبريل - عليه السلام - على نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - , وقد جاء وصف ذلك في حديث النواس بن سمعان - رضي الله تعالى عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : (إذا أراد الله أن يوحيَ بالأمر؛ تكلَّم بالوحي ؛ أخذت السماوات منه رجفةٌ أو رعدةٌ شديدة خوفاً من الله عز وجل، فإذا سمع ذلك أهل السماوات؛ صَعِقُوا وخرُّوا لله سجداً فيكون أول من يرفع رأسهُ جبريلُ فيكلمهُ الله من وحيه بما أراد ثم يمر جبريلُ على الملائكة كلما مرَّ بسماء سأله ملائكتها: ماذا قال ربُّنا يا جبريل؟ فيقول جبريلُ: قال الحقَّ وهو العلي الكبير. فيقولون كلهم مثل ما قال جبريلُ فينتهي جبريلُ بالوحي إلى حيث أمره الله عزوجل).
ياأهل القرآن ... تدبروا كتاب الله - عز وجل - من سورة الفاتحة إلى سورة الناس تجدون القصص والتوحيد , والوعد والوعيد , والترغيب والترهيب , وسُطّر فيه ما حدث في العصور الماضية للعبرة والاتعاظ (فَذَكِّرْ بِالقُرْآَنِ مَنْ يَخَافُ وَعِيدِ) , وتجدون فيه أربعة براهين لإثبات وتحقيق البعث والنشور ويأتي كل برهان بصور متعددة وأمثال مختلفة (وَتِلْكَ الأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ) :
- البرهان الأول: خلق السموات والأرض , لأن خلقهما من أَعظم البراهين على بعث الناس بعد الموت ; لأن من خلق الأعظم الأكبر لاشك في قدرته على خلق الأضعف الأصغر والآيات الدالة على هذا كثيرة ، كقوله - تبارك وتعالى - : (لَخَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ).
- البرهان الثاني: إحياء الأرض بعد موتها , لأن من أحيا الأرض بعد موتها قادر على إحياء الناس بعد موتهم , كقوله - تبارك وتعالى -: (وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنَّكَ تَرَى الأَرْضَ خَاشِعَةً فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا المَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ إِنَّ الَّذِي أَحْيَاهَا لَمُحْيِي المَوْتَى إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ).
- البرهان الثالث: خلق الإنسان من العدم , لأن من خلق الإنسان على غير مثال سابق قادر على إعادة خلقه مرة أخرى , كقوله - تبارك وتعالى - : (أَوَلَمْ يَرَ الإنْسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ * وَضَرَبَ لَنَا مَثَلا وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ * قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ).
- البرهان الرابع: إحياء بعض الموتى في الدنيا , لأن من أحيا نفساً واحدة بعد موتها قادر على إحياء جميع النفوس , قال – تبارك وتعالى - : (مَا خَلْقُكُمْ وَلَا بَعْثُكُمْ إِلَّا كَنَفْسٍ وَاحِدَةٍ) , وإحياء الموتى في الدنيا كما في قصة قتيل بني إسرائيل , قال – تبارك وتعالى - : (وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْسًا فَادَّارَأْتُمْ فِيهَا وَاللَّهُ مُخْرِجٌ مَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ * فَقُلْنَا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِهَا كَذَلِكَ يُحْيِي اللَّهُ الْمَوْتَى وَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ) , وقصة الذي مر على قرية وهي خاوية على عروشها , قال – تبارك وتعالى - : (أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا قَالَ أَنَّى يُحْيِي هَذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا فَأَمَاتَهُ اللَّهُ مِائَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ قَالَ كَمْ لَبِثْتَ قَالَ لَبِثْتُ يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالَ بَلْ لَبِثْتَ مِائَةَ عَامٍ فَانْظُرْ إِلَى طَعَامِكَ وَشَرَابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ وَانْظُرْ إِلَى حِمَارِكَ وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً لِلنَّاسِ وَانْظُرْ إِلَى الْعِظَامِ كَيْفَ نُنْشِزُهَا ثُمَّ نَكْسُوهَا لَحْمًا فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ قَالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) , وقصة إبراهيم - عليه السلام - في إحياء الطيور , قال – تبارك وتعالى - : (وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي المَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلَى كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءًا ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْيًا وَاعْلَمْ أَنَّ اللهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ).