جاء في قاموس لسان العرب لإبن منظور أن كلمة زَوْلٌ تعني: (زول) من فصيح العربية ولها أكثر من سبعة عشر معنى، فالزول تعني :
(1) الكريم الجواد، أنشد السكيت المزرد: لقد أروح بالكرام الأزوال من بين عم وابن عم أو خال
(2) والزول : الخفيف الحركات، قال أبو منصور الثعالبي في حديثه عن الممادح والمحاسن، حين ذكر أطوار الإنسان : فإذا كان حركاً ظريفا متوقدا فهو : زول.
(3) والزول الفتى، قال محمد بن عبيد الله الكاتب المشهور بالمفجع يمدح علياً : أشبه الأنبياء كهلاً وزولاً وفطيماً وراضعاً وغذياً (4) والزّول : العجب، ألا ترى السوداني إذا استغرب شيئا قال : يازول ؟؟ يعني ياعجبي من هذا الشيء. قال الشاعر في وصف سير ناقة. مرفوعها زول وموضوعها كمر غيث لجب وسط ريح فمرفوعها زولٌ يعني سيرها إذا أسرعت عجب من العجائب. (5) والزول : الشجاع الذي يتزايل الناس من شجاعته. (6) والزول الخفيف الظريف الذي يعجب الناس من ظرفه. (7) والزول الغلام الظريف. (
والزول : الداهية. (9) والزول الصقر. (10) والزول : معالجة الأمر كالمزاولة. (11) والزول : التظرف. (12) والزول : الحركة. (13) والزولة : المرأة الظريفة، قال الأصمعي : أنشدتني عشرقة المحاربية، وهي عجوز حيزبون زولة... قال أبو علي : الحيزبون التي فيها بقية من الشباب. والزولة الظريفة. (14) والزولة : المرأة البرزة (الجميلة) الفطنة الذكية، قال الطرماح بن حكيم : وأدت إليّ القول منهن زولة تلاحن أو ترنة لقول الملاحن والملاحنة هي الفطنة، فهذه تتكلم بما يخفى على الناس ولا يفهمها إلا الفطن. (15) والزولة : الفتية من الإبل أو النساء، قال رؤبة بن العجاج : قد عتق الأجدع بعد رق بقارح أو زولة معق (16) ووصيفة زولة : إذا كانت نافذة في الرسائل (17) ويقولون فلان رامي الزوائل : إذا كان خبيرا بالنساء، قال الشاعر :
وكنت امرأً أرمي الزوائل مرة فأصبحت قد ودعت رمي الزوائل
ففتى، زول وفتاة ،زولة، وفتية أزوال، وفتيات زولات، ونسوة زوائل. وبقي معتى ثامن عشر عليكم به في بطون الكتب.
فالزول والعمامة شعار السوداني ـ وأكرم به ـ ونحن نسعد ونفخر أن يكون شعارنا كلمة عربية أصيلة هي (العمامة) والعمامة هي لباس النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه والتابعين والأئمة والفقهاء. ولعلك تلاحظ أن كثيرين من غير السودانيين إذا ناداك : يازول ! فكأنه أتى بجرم أو شيء غريب أو كأنه (ضرب السما جير) والأدهى أن بعض السودانيين قد يضيق بذلك لعدم وقوف بعضهم على المعاني التي ذكرتها، ومن جهل شيئا عاداه.
والعجيب أن الضيق منها موجود حتى في البيئة السودانية نفسها، ولكن المتأمل بدرك أن سر ضيق السوداني منها ينبع من السياق الذي ترد فيه. فالكبار عندنا إذا قلت لآحدهم (يازول) ربما قال لك : (تزاول من ضلك) وهي دعوة عليك بالاختلاط والجنون، لا تقال إلا في موضع السب إذا تطاول الصغير على الكبير. ولفظة (تزاول) نفسها فصيحة صحيحة قال ذو الرمة :
وبيضاء لا تنحاش منا وأمها إذا ما رأتنا زيل منا زويلها.
تاريخ الكلمة
وردت في كتاب الطبقات لابن ضيف لله(1727/1810م) أقدم مرجع سوداني يضم تراث لغويا ولكنها لم تكن بذات شيوعها حاليا. جاء في الصفحة 309 عن الشيخ عبد القادر ود الشيخ إدريس "فجاء أخو بدوي وصايحه بالشرق وقال له: ياهذا الزول البكا العلي ناس بدوي شنو؟ فلم يكلمه، ثم كلمه ثانيا، فقال له بدوي لحيقا له".
معنى الكلمة وأصلها
جاء في قاموس لسان العرب وكذلك المعجم الوسيط أن كلمة زول تعني الشجاع كذلك الذكي أو الفطن وزاد بعض المجتهدين أن الزول هو السمح الكريم وهو الكيس اللطيف وقالوا غير ذلك. هذه المعاني المعجمية هي التي ذهب إليها أكثر من حاول تفسير هذه الكلمة رغم ورود معاني أخرى لعلها كانت أصلا محتملا لهذه الكلمة. لكن معنى كلمة زول في الخطاب السوداني لا ينصرف إطلاقا إلي شيء من تلك الخيارات.
تعني كلمة" زول" في اللهجة العربية السودانية " شخص" إلا أن كلمة شخص أوسع دلالة من كلمة زول وهذا ما سنوضحه لاحقا. أما الأصل الأكثر احتمالا لهذه الكلمة فهو الفعل زال يزول زوالا وزولانا إذا تحول أو انتقل فإذا علمت أن التحول والانتقال لا يكون إلا بحركة فقد انصرف المعنى ليفيد مجرد التحرك ليس أكثر وهنا كانت بداية تطور هذه الكلمة دلاليا في وادي النيل لتدخل وتستقر في قاموس اللغة النوبية اللغة السابقة للعربية بذات المعنى. هكذا تحددت دلالة هذه الكلمة فصارت بمعنى المتحرك أو المتردد الحركة
الأصل
يحتوي قاموس اللغة النوبية كلمة " سلن/sollon" بمعنى تحرك أو تأرجح، ومنها كلمة " سلالى / sollale" أو المرجاحة "سل تيقن / solla teegon" بمعنى جلس جلسة المتهئ للتحرك أو جلس القرفصاء. أما " سول / solon" فتعني في النوبية الحركة المتوهمة أو تخيل حركة الشئ وتوهمها، ثم جاء تطور آخر للكلمة لتعني مطلق الخيال أو الشبح وهي في النوبية " سول".من هنا انصرفت كلمة "سول" لتعني المجدار الذي كان كثير الاستعمال والشيوع، وقد أشار إلى ذلك بوركهاردت الرحالة الأوربي الذي زار بلاد النوبة في أوائل القرن التاسع عشر وذكر أن المجادير تكثر في بلاد النوبة وأن يقيمونها في مزارعهم لتخويف الطيور وتنفيرها وأنها تنصب في هيئة الإنسان. وهكذا انصرف معنى كلمة " سول" لخيال الإنسان تحديدا. ومن هنا تشكل معنى هذه الكلمة ليطلق على الشخص غير واضح الملامح أو الشخصية وربما الإنسان المجهول. وبهذه المعاني دخلت كلمة " سول" قاموس العربية السودانية. ومن ثم قلب السين زايا وهو جائز لغويا وعموم قلب الحروف ظاهرة مميزة لعربية السودان.
اكتساب كلمة "زول" بعض سمات الاسم في اللغة النوبية يدل على أنها مرتدة عن اللغة النوبية اكتسابها. على سبيل المثال لا توجد ظاهرة المذكر والمؤنث في نحو اللغة النوبية، فالاسم يحتمل التذكير والتأنيث إلا أن يكونا مختصا أو أريد الاختصاص لسبب فيضاف عند الضرورة كلمة ذكر، ولما كان ذلك كذلك مما هو ممتنع في العربية فقد اقتصرت هذه الكلمة على صيغة المذكر دون المؤنث في عربية السودان، فلا تقل زولة تريد الإشارة للمرأة وإلا ضحك عليك القوم، فـ " زولة " لا وجود لها في قاموسهم لا ترد على ألسنتهم. شاهد آخر على تحول هذه الكلمة عن النوبية أن كلمة " زول" لا تجمع في سائر استعمالاتها، فلا تأتي إلا في صيغة المفرد فلا تقولن أزوال أو زواويل. وهي كذلك في اللغة النوبية فلا ترد إلا مفردة رغم أمكانية جمعها.
الشاهد الثالث هو السياق اللغوي الذي تستعمل فيه هذه الكلمة. صحيح أن كلمة "زول" تعني شخص ـ كما أشرنا ـ إلا أن الأخير أوسع دلالة بينما "زول" مع ضيق دلالتها تستعمل في سياقات محددة وذلك في تصوري راجع لأثر اللغة النوبية التي وضعتها من قبل في ذات السياقات. فهي كلمة مرنة لفظا محدودة الدلالة.
استخدامها في العامية السودانية
كلمة "زول" في الخطاب السوداني ليس مطلق الاستعمال كما يظن بعضهم، وإنما يكون في سياقات محددة. السياق الشائع أن تأتي مع المفرد الغائب فلا تأتي مع المتكلم ولا تجد شخصا يقول مثلا "أنا زول كذا " إلا فيما ندر. كذلك لا تأتي مع المخاطب إلا في إحدى الحالات التالية: 1- عند التهكم، التعجب، الغضب أو في عموم حالات الانفعال.. يقول قائلهم مخاطبا " يا زول مالك !!؟".. " يا زول انت ماك نصيح !!؟".. " عليكم الله شوف الزول ده". 2- في حالات التودد والمداعبة ولا يكون هذا إلا مع صديق أو شخص مقرب فتقول " يا زول وين انت ؟" أو " يا زول مشيت وين !؟" أو" يا زول ارح معنا " وهكذا 3- إذا كان مجهولا غير معروف أصلا مثلا "يا زول إنت من وين ؟ " أو " يا زول أهلك من وين ؟" تريد التعرف إليه حقيقة.
لا تطلق كلمة زول على كل شخص معروف أو معلم بزي رسمي أو مكانة أو هيئة، فلا يقال للشرطي مثلا يا زول. كما لا يشار بها على من تبدو عليه سمات الهيبة والوقار تماما كما لا تطلق على كل ذي منصب مرموق أو مكانة اجتماعية، لما تتضمنه هذه الكلمة من إيحاءات التجهيل أو الاستخفاف وهنا تكمن مزالق هذه الكلمة للذي لا يحسن استعمالها. في بعض دول الخليج يطلقون "زول" على السودانين ويخاطبون بذلك كل سوداني وذلك تلطفا وداعبة.
في الشعر الغنائي السوداني
يأتي استعمال كلمة زول مع الغائب المفرد وهذا الغائب ربما يكون شخصا مجهولا أو غريبا أو لا يريدون تسميته أو تشخيصه فيكتفون بالإشارة إليه زولا. يقولون " الزول الكان واقف هناك".. " الزول داك منو ؟".. " نمشي نشوف الزول داك ".. " فلان زولا ماكن ". من هذا المدخل تأتي كلمة "زول " للإشارة إلى المحبوب في الشعر الغنائي السوداني وأنت تعلم أن الشعراء من سالف عهدهم لا يصرحون بأسماء محبوباتهم. قال الشاعر الغنائي :
الزول الوسـيم في طبعه دايــما هادي
من أوصافه قول أسكرني هات يا شادي
وقال آخر :
اتمنى يوم زولي القبيـل
يقطـع معاي دربا عديــل
مشوار عمر مشوار طويل
نمشيه في درب القويز.. في كردفان
ففي هذه المقاطع الغنائية السابقة أطلق الشاعر كلمة زول تعريضا عن ذكر محبوبته وكان مذهب المحبيين دائما إشهار الحب وإظهار الوجد دون التعرض للحبيبة، فالحبيبة مجهولة وستظل كذلك أما حبه فسيغني به ويردد معه الركبان.
أما في هذا البيت الغنائي :
كفارة ليك يا زول
والمرض ما بيقتلو زول
فقد اختصر الشاعر السياقات اللغوية لهذه الكلمة ببراعة، ففي صدر البيت قصد بكلمة زول المحبوبة بينما المراد في الثانية مطلق الشخص من غير تحديد. ومن هذا القبيل قول الشاعر:
أقل حاجة تخلي ســفرك حتى لو أسبوع أقــله
لو تسافر دون رضانا بنشقى نحن الدهر كله ما بنشوف في الدنيا متعة وكل زول غيرك نملو
فكلمة "زول" هنا تحتمل المعنيين السابقين.
ومما جاء في الشعر الغنائي السوداني الحافل بالروائع من إطلاق كلمة "زول" لمطلق الإشارة للشخص أو الإنسان قول الشاعر: وما بنشوف في الدنيا متعة وكل زول غيرك نمـله
أنحن ناس بنعيش حياتنا الغالية بالنية السليمة
كل زول دايرين سـعادته تشهد الأيام عليـمة
والزَّوْلُ: الخفِيف الظَّرِيف يُعْجَب من ظَرْفه، والجمع أَزْوالٌ. وزَالَ يَزُول إذا تَظَرَّف، والأُنْثى زَوْلَة. ووَصِيفَةٌ زَوْلَة: نافِذة في الرَّسائل. وتَزَوَّل: تَنَاهَى ظَرْفُه. والزَّوْل: الغُلام الظَّريف. والزّوْل: الصَّقْر، والزَّوْلُ: فَرْجُ الرَّجُل. والزَّوْل: الشجاع الذي يَتَزايل الناسُ من شجاعته؛ وأَنشد ابن السكيت في الزَّوْل لكثير بن مُزَرِّد: لَقَدْ أَرُوحُ بالكِرامِ الأَزْوال مُعَدِّياً لذات لَوْثٍ شِمْلال والزَّوْل: الجَواد. والزَّوْلة: المرأَة البَرْزَة، ويقال: هي الفَطِنَةُ الدَّاهِية. وفي حديث النساء: بِزَوْلةٍ وجَلْسٍ، هو من ذلك، وقيل الظَّرِيفة. والزَّوْل: الخفيف الحركات. والزَّوْل: العَجَب. وزَوْلٌ أَزْوَل على المبالغة؛ قال الكميت: فقد صِرْت عَمّاً لها بالمَشِي بِ، زَوْلاً لَدَيْها، هو الأَزْوَلُ
مرة أخرى حـول زول
كلمة زول كلمة شائعة في قاموس اللهجة العربية السودانية أو العامية السودانية إن شئت. وهي كلمة معروفة قديما، وقد وردت في كتاب الطبقات لابن ضيف لله (1727/1810م) أقدم مرجع سوداني يضم تراث لغويأ، في عدة مواقع بذات استعمالنا لها, ولكنها لم تكن بذات شيوعها اليوم فيما بدا لي. جاء في الصفحة 309 عن الشيخ عبد القادر ود الشيخ إدريس"فجاء أخو بدوي وصايحه بالشرق وقال له: ياهذا الزول البكا العلي ناس بدوي شنو؟ فلم يكلمه، ثم كلمه ثانيا، فقال له بدوي لحيقا له". هذه الكلمة أثارت فضول الكثيرين لاسيما في دول الخليج فذهبوا يسألون عن معناها وأصلها. عندئذ تبنه بعض مثقفي السودان الي سحر هذه الكلمة التي صارت لها صدى وبريقا خارج حدود السودان، فذهبوا ينقبون عنها وعن معانيها في مختلف القواميس والمعاجم العربية. في هذه العجالة أردت أن أوضح شيئين الأول معنى كلمة زول وأصلها والآخر كيفية استعمالها وذلك لما في إساءة استعمالها من إيذاء طالما عانى منه كثير منهم. قد يضطرني البحث عن أصل هذه الكلمة إعطاء خلفية عن تاريخ الثقافة السودانية ولضيق الزمان والمكان هنا سأختزل لك ذلك اختزالا. لا أحد يستطيع أن ينكر دخول العرب السودان لكن دخولهم كان بطيئا وأخذ وقتا طويلا. هذا التسرب العربي البطيء كان سلميا وفي شكل فردي أو جماعات قليلة وسط مجتمع بسيط يحكمه نظام اجتماعي كان في صالح المهاجرين العرب قاد في النهاية الي غلبة الثقافة العربية في السودان, فكان طبيعيا أن تحمل هذه الثقافة الجديدة في طياتها كثيرا من ملامح ثقافة المجتمع الذي كان قائما قبل الهجرات العربية إلا أن كثيرا من المثقفين السودانيين يعزبون عن فهم أبعاد هذا التداخل الثقافي عجزا منهم عن استيعاب الجانب ألآخر من الثقافة السودانية وربما عمد بعضهم على تخريج ما يشكل عليها عروبيا. وهذه الكلمة "زول" مما أشكل عليهم إدراك أصلها فذهبوا ينقبون عنها في القواميس العربية ـ كالعادة ـ وللأسف لم تسعفهم تلك المعاجم والقواميس كثيرا والسبب هو أن مادة هذه القواميس جمعت في المجتمعات العربية التقليدية قبل أن يختلط العرب بغيرهم وقبل أن تتشكل المجتمعات العربية الجديدة في البلاد المفتوحة. وكان من المنطقي فهم هذا الواقع الجديد والتعامل معه بموضوعية، ودراسة اللغة والثقافة في ضوء المعطيات الجديدة، والنظر كذلك في مخزون اللغات السابقة، إلا أن بعض الناس يسارع لما يهوى ويتمسك بما يريد مجانبا للحقيقة متغاضيا عنها ربما جهلا أو عمدا لمقاصد أخرى. جاء في قاموس لسان العرب وكذلك المعجم الوسيط أن كلمة زول تعني الشجاع كذلك الذكي أو الفطن....الخ وزاد بعضهم أن الزول هو السمح الكريم..وهو الكيس اللطيف وقالوا غير ذلك !! هذه المعاني المعجمية هي التي ذهب إليها أكثر من حاول تفسير هذه الكلمة رغم ورود معاني أخرى لعلها كانت أصلا محتملا لهذه الكلمة. للأسف إن معنى كلمة زول في الخطاب السوداني لا ينصرف إطلاقا إلي شيء من تلك الخيارات التي أوردوها بل لا علاقة لها البتة.. يقول الباحثون في علم دلالة الألفاظ إن الكلمات كالبشر تهاجر من مواطنها وتغترب وفي اغترابها تختفي بعض ملامحها وتكتسب أخرى جديدة فيتغير جرسها وتتغير بنيتها ثم ترجع للوطن مرة أخرى فلا تكاد تعرف حينئذ. ومثال ذلك في العربية المعاصرة كلمة اميرلاي الرتبة العسكرية المعروفة، فهي في الواقع تعريب لكلمة "admiral" الإنجليزية المأخوذة أصلا عن كلمة أمير البحر العربية إذن فقد هاجرت هذه الكلمة إلى قواميس اللغات الأوربية أو لعلهم اقترضوها فتشكلت هناك تشكيلا آخر في جرسها ودلالتها وظن مسطحو الثقافة في عصر الاستغراب أنها كلمة إنجليزية بينما هي بضاعة عربية ردت للعرب ولكن من غير أن يفطن إليها أكثرهم. كلمة أخرى أكثر شيوعا واستعمالا هذه الأيام هي كلمة كيبل "cable" المعروفة في التوصيلات الكهربائية وغيرها وهي في الأصل كلمة حبل العربية, وقل مثل ذلك في كلمة جيتار "guitare" فأصلها قيثارة والأمثلة كثيرة، مساج "massage" أصلها مس أو لمس، كلمة زيرو "zero " موضة هذه الأيام في لغتنا المحكية هذه الأيام أصلها كلمة صفر العربية (بضم الراء) فتحولت إلى زفيرو ثم حذف الفاء تسهيلا فصارت زيرو. وقل مثل ذلك في كلمة شراب (بضم الشين وتشديد الراء) فهي في الأصل كلمة جورب العربية دخلت اللغة التركية وتأثرت باللسان التركي ثم عادت للعربية وقد تغيرت ملامحها. هذه الظاهرة تطلق عليها في كتب علم اللغة الاستلاف أو الاقتراض اللغوي لكني فضلت عليها اصطلاح" الارتداد اللغوي" لأن ما حدث هنا ليس استلافا حقيقيا وإنما ظاهرة جديدة هي رجوع أو عودة كلمات للغة التي خرجت منها فهي ارتداد وليست اقتراضا. في ضوء ما ذكرنا نستطيع القول بأن الذي حدث لكلمة زول التي نحن بصددها هو ما اصطلحت عليه بالارتداد اللغوي، وهي هذه المرة ارتدت إلى اللهجة العربية السودانية. السؤال المطروح دون أن اتعب القارئ ما معنى كلمة زول وما أصلها ؟ تعني كلمة" زول" في اللهجة العربية السودانية " شخص" إلا أن كلمة شخص أوسع دلالة من كلمة زول وهذا ما سنوضحه لاحقا. أما الأصل الأكثر احتمالا لهذه الكلمة فهو الفعل زال يزول زولانا إذا تحول أو انتقل فإذا علمت أن التحول والانتقال لا يكون إلا بحركة فقد انصرف المعنى ليفيد مجرد التحرك ليس أكثر وهنا كانت بداية تطور هذه الكلمة دلاليا في وادي النيل لتدخل وتستقر في قاموس اللغة النوبية اللغة السابقة للعربية بذات المعنى. هكذا تحددت دلالة هذه الكلمة فصارت بمعنى المتحرك أو المتردد الحركة. واليوم نجد في قاموس اللغة النوبية كلمة " سلن/sollon" بمعنى تحرك أو تأرجح، ومنها كلمة " سلالىsollale/" أو المرجاحة "سل تيقنsolla teegon/" بمعنى جلس جلسة المتهئ للتحرك أو جلس القرفصاء. أما " سول/ solon" فتعني في النوبية الحركة المتوهمة أو تخيل حركة الشئ وتوهمها، ثم جاء تطور آخر للكلمة لتعني مطلق الخيال أو الشبح وهي في النوبية " سول".. ومن هنا انصرفت كلمة "سول" لتعني المجدار، مما يذكر أن بوركهاردت الرحالة الأوربي الذي زار بلاد النوبة في أوائل القرن التاسع عشر أشار إلى كثرة استعمال النوبيين للمجادير في مزارعهم لتخويف الطيور وتنفيرها منها وأنها كانت تنصب في هيئة إنسان. وهكذا انصرف معنى كلمة " سول" لخيال الإنسان تحديدا. ومن هنا تشكل معنى هذه الكلمة ليطلق على الشخص غير واضح الملامح أو الشخصية وربما الإنسان المجهول. وبهذه المعاني دخلت كلمة " سول" قاموس العربية السودانية. ومن ثم قلب السين زايا وهو جائز لغويا وعموم قلب الحروف ظاهرة مميزة لعربية السودان. إن مما يؤكد عندي أن كلمة "زول" كلمة مرتدة عن اللغة النوبية اكتسابها بعض سمات الاسم في اللغة النوبية. وعلى سبيل المثال لا توجد ظاهرة المذكر والمؤنث في نحو اللغة النوبية، فالاسم يحتمل التذكير والتأنيث إلا أن يكونا مختصا أو أريد الاختصاص لسبب كما يضاف عند الضرورة كلمة ذكر، ولما كان ذلك كذلك مما هو ممتنع في العربية فقد اقتصرت هذه الكلمة على صيغة المذكر دون المؤنث في عربية السودان، فلا تقول زولة تريد الإشارة للمرأة وإلا ضحك عليك القوم, فـ " زولة " لا وجود لها في قاموسهم لا ترد على ألسنتهم. شاهد آخر على تحول هذه الكلمة عن النوبية أن كلمة " زول" لا تجمع في سائر استعمالاتها، فلا تأتي إلا في صيغة المفرد فلا تقولن أزوال أو زواويل. وهي كذلك في اللغة النوبية فلا تر د إلا مفردا رغم أمكانية جمعها. الشاهد الثالث هو السياق اللغوي الذي تستعمل فيه هذه الكلمة. صحيح أن كلمة "زول" تعني شخص ـ كما أشرنا ـ إلا أن الأخير أوسع دلالة بينما "زول" مع ضيق دلالتها تستعمل في سياقات محددة وذلك في تصوري راجع لأثر اللغة النوبية التي وضعتها من قبل في ذات السياقات. فهي كلمة مرنة لفظا محدودة دلالة.. إن استعمال كلمة "زول" في الخطاب السوداني ليس مطلوقا على عواهنه، وإنما يكون في سياقات محددة. والسياق الشائع أن تأتي مع المفرد الغائب (third person) فلا تأتي مع المتكلم ولا تجد شخصا يقول مثلا "أنا زول كذا " إلا فيما ندر. كذلك لا تأتي مع المخاطب إلا في إحدى الحالات التالية:عند التهكم، التعجب، الغضب أو في عموم حالات الانفعال.. يقول قائلهم مخاطبا " يا زول مالك !!؟".. " يا زول انت ماك نصيح !!؟".. " عليكم الله شوف الزول ده". في حالات التودد والمداعبة ولا يكون هذا إلا مع صديق أو شخص مقرب فتقول " يا زول وين انت ؟" أو " يا زول مشيت وين !؟" أو" يا زول ارح معنا " وهكذا 3- إذا كان مجهولا غير معروف أصلا مثلا "يا زول إنت من وين ؟ " أو " يا زول أهلك من وين ؟" تريد التعرف إليه حقيقة. أما الغالب في استعمال هذه الكلمة الساحرة كما أشرت فوق فهو مع الغائب المفرد وهذا الغائب ربما يكون شخصا مجهولا أو غريبا أو لا يريدون تسميته أو تشخيصه فيكتفون بالإشارة إليه زولا. يقولون " الزول الكان واقف هناك".. " الزول داك منو ؟".. " نمشي نشوف الزول داك ".. " فلان زولا ماكن ". ومن هذا المدخل تأتي كلمة "زول " للإشارة إلى المحبوب في الشعر الغنائي السوداني وأنت تعلم أن الشعراء من سالف عهدهم لا يصرحون باسماء محبوباتهم.
قال الشاعر الغنائي :
الزول الوسـيم في طبعه دايــما هـــادي
من أوصافه قول أسكرني هات يا شادي
وقال آخر:
أتمنى يوم زولي القبيــــل
يقطـع معاي دربا عديـــــل مشوار عمر مشوار طويل نمشيه في درب القويز.. في كردفان
ففي هذه المقاطع الغنائية السابقة أطلق الشاعر كلمة زول تعريضا عن ذكر محبوبته وكان مذهب المحبيين دائما إشهار الحب وإظهار الوجد دون التعرض للحبيبة، فالحبيبة مجهولة وستظل كذلك أما حبه فسيغني به ويردد معه الركبان. أما في هذا البيت الغنائي :
كفارة ليك يا زول والمرض ما بيقتلو زول
فقد اختصر الشاعر السياقات اللغوية لهذه الكلمة ببراعة، ففي صدر البيت قصد بكلمة زول المحبوبة بينما المراد في الثانية مطلق الشخص من غير تحديد. ومن هذا القبيل قول الشاعر:
أقل حاجة تخلي ســـــفرك حتى لو أسبوع أقــله
لو تسافر دون رضانا بنشقى نحن الدهر كــــــله وما بنشوف في الدنيا متعة وكل زول غيرك نمـله
فكلمة "زول" هنا يحتمل المعنيين السابقين. مما يحسن إضافته هنا أن هذه كلمة لا تطلق على كل شخص معروف أو معلم بزي رسمي أو مكانة أو هيئة، فلا يقال للشرطي مثلا يا زول. كما لا يقال لكل من عليه سمت الهيبة والوقار كذلك كل ذي منصب مرموق أو مكانة اجتماعية. وفي بعض دول الخليج يطلقون "زول" على السودانين ويخاطبون بذلك كل سوداني، يفعل بعضهم ذلك ربما حبا للسودان أو حبا في السودانيين وربما تلطفا وداعبة. أما بعضهم الآخر فيطلق ذلك لمعاني لا تخفى على المخاطب أو السامع وللأسف يكثر من يفعل ذلك بينهم.
أخيرا عن مستقبل هذه الكلمة التي جذبت انتباه الكثيرين ولاقت استحسانهم سريعا فإنها آخذة في الشيوع بل شاعت وذلت بها ألسنة المعجبين بها وبذلك اوشكت عن الخروج عن خصوصيتها السودانية. وطبعي والحالة هذه أن يطرأ عليها تطور وتغيير كنتيجة للتكيف والانتقال للبيئة الجديدة الواسعة. وحتمي أن تثنى الكلمة وتجمع وتؤنث. فلا يتعجب القوم إذا سمعوا من يقول زولين، أزوال، زولة وزولات