مما لا شك فيه أن البدانة مشكلة صحية متعددة الأسباب والأشكال .. ولها جوانب وراثية وعضوية وكيميائية ، وأيضاً جوانب اجتماعية ونفسية وسلوكية . ومن المعروف أن الطعام والشراب من المتع واللذات الكبيرة .. والجوع تجربة مؤلمة وسلبية ومنفرة يهرب منها الإنسان دائماً ..
والعادات الغذائية في الطفولة تلعب دوراً هاماً في البدانة .. وكثير من الأطفال يتناول الحلويات دون حساب مما يؤدي إلى البدانة المبكرة.. وكثير من الأمهات لا يتقنون من مبادئ التربية والرعاية سوى إطعام الأطفال أكثر من حاجاتهم وتسمينهم..
وفي مرحلة المراهقة والشباب وما يلها من مراحل يتعلم الإنسان أن يخفف ألمه النفسي وإحباطاته المتنوعة بتناول الطعام الذي يجلب له لذة فورية.. وكلما زادت الإحباطات زاد الإقبال على الطعام ومن ثم البدانة . وعموماً فإن القلق وعدم الاطمئنان والإحباط يمكن أن يؤدي إلى الشره الطعامي واعتماد الطعام وسيلة للتخفيف من هذه المشاعر السلبية .
وفي حالات الحرمان المختلفة في الطفولة أو ما بعدها مثل الإهمال الوالدي أو التفكك الأسري وغيره يمكن أن يكون الطعام والشراب بمختلف أنواعهما وسائل تعويضية عن الحرمان مما يؤدي إلى الإفراط والبدانة.
وفي بعض الحالات الاكتئابية المرضية يمكن للإفراط في الطعام وزيادة الوزن أن تكون أحد أعراضها ، بينما عند أشخاص آخرين يظهر الاكتئاب بأعراض نقص في الشهية وانخفاض في الوزن . وهذه الأعراض المرضية للاكتئاب تكون نتيجة للخلل والاضطراب العصبي الكيميائي داخلي المنشأ..
كما يمكن أن تكون نتيجة المعاني الرمزية للطعام من حيث المتعة واللذة والإشباع والبحث عنها للتخفيف من الاكتئاب ، أو نقصها كعلامة على هبوط المزاج العام والاكتئاب في حالات نقص الشهية والوزن .
وفي حالات أخرى تعرف باسم الشره الطعامي الذي يأتي بشكل نوبات من فرط الأكل ويتلوها التقيوء وهي حالات يمكن أن تؤدي إلى مخاطر عديدة طبية, يكون السلوك الطعامي اندفاعياً ويعقبه ندم وشعور بالذنب وعادة ما تؤدي إلى السمنة .
وهناك حالات طبية مثل نقص إفراز الغدة الدرقية التي تؤدي إلى البدانة وغيرها .. كما أن نمط الحياة المعاصرة من حيث الراحة الجسدية وعدم استعمال العضلات والحركة الجسمية.. كل ذلك يؤدي إلى انخفاض استهلاك السعرات الحرارية ( الحريرات) مما يؤدي إلى تراكم الشحوم في الجسم وبالتالي البدانة .
وأخيراً لابد من التأكيد على ضرورة الاهتمام بالصحة العامة وأسلوب الحياة الصحية من حيث نوعية الغذاء وكميته ومن حيث الرياضة والاهتمام بالجسد والابتعاد عن كل ضار من مأكول أو مشروب. ولابد من مواجهة القلق والإحباط بأساليب مفيدة وفعالة ، وأيضاً التدريب على التحمل والاحتمال والصبر وتربية النفس وتطويع رغباتها بدلاً من الانجراف وراء رغباتها دون حدود أو ضوابط . والمشاعر السلبية تحتاج لطرق أخرى للتعامل معها.. ومنها الحوار والتفكير الإيجابي وغير ذلك .
2- القمه العصبي:
القمه العصبي(Anorexia nervosa) هو اضطراب طعامي يتميز بالاهتمام الزائد بوزن الجسم والطعام وسلوكيات متنوعة لإنقاص الوزن .
وفيه خوف شديد من زيادة الوزن إضافة إلى اضطراب في صورة الجسد حيث يشعر المريض بأن وزنه زائد مع أنه شديد النحول . ويرافقه توقف في الدورة الشهرية عند الإناث وسلوكيات وسواسية متنوعة .
وهو ينتشر عند الإناث بنسبة عشرة أضعاف مقارنة بالذكور وتصل نسبة انتشاره في المجتمعات الغربية إلى 1% من الفتيات في سن 16-18 سنة .
ولا تزال أسبابه غير معروفة وهناك تفسيرات نفسية متعددة ومنها الرغبة بعدم النمو والبقاء في مرحلة عمرية أصغر أو الخوف من النضج والنمو ، وأيضاً التناقض العاطفي تجاه الأم ورفضها .
وعوامل الضغوط والشدة النفسية متكررة ومترافقة مع ازدياد الرغبة في إنقاص الوزن وفي ضعف الشهية ، وأيضاً التأثر بالنجوم وعارضات الأزياء والرغبة في الاحتفاظ بجسد مغري .
وهناك دراسات حول اضطراب كيميائي عصبي في منطقة ماتحت المهاد ، وأيضاً عوامل عائلية ووراثية ..
العلاج :
يتضمن العلاج العلاج الطبي الذي يهدف إلى تعديل الاضطرابات الجسدية الناتجة عن النقص الشديد في الوزن مثل إعادة توازن السوائل والشوارد في الدم وكثير من الحالات تتطلب الدخول إلى المشفى والتغذية عن طريق الوريد والفم، كما يتضمن العلاج العلاج المعرفي السلوكي الذي يهدف إلى تعديل نظرة المريض عن نفسه وزيادة كمية تناول الطعام تدريجياً ، وأيضاً يتضمن العلاج العلاج الأسري وتعديل تركيبة الأسرة ونمط تواصلها وتخفيف الضغوط على المريضة .
3 -الشره الطعامي:
الشره الطعامي أو النهام ( Bulimia nervosa) وهو يعني نوبات من الشره الطعامي والتهام كميات كبيرة من الطعام ، ويرافقه الشعور بالذنب ومحاولات الإقياء بعد ذلك . ويمكن لهذا الاضطراب أن يرافق حالات القمه العصبي أو يكون مستقلاً عنه .
وتتميز هذه الحالات بفترات من نوبات الشره وفترات أخرى من الصيام وتخفيف الطعام . ويترافق الاكتئاب مع كثير من هذه الحالات ، وكذلك السلوك الاندفاعي واضطرابات في العلاقات الشخصية.
ويؤدي الإقياء واستعمال الملينات والمدرات إلى اضطراب في شوارد الدم وإلى حماض دموي وتآكل في الأسنان وأيضاً إلى اضطراب نظم القلب وتوقفه.
ونسبة انتشار هذا الاضطراب حوالي 1-4% من الإناث ونسبة الإناث إلى الذكور حوالي 6-10 أضعاف وهو أكثر انتشاراً من القمه العصبي .ولاتزال أسباب هذا الاضطراب غير واضحة وغالباً ماتبدأ نوبات الشره بعد حمية طعامية قاسية وهناك تفسيرات نفسية متنوعة وبعض الدراسات العضوية تدل على اضطرابات كيميائية عصبية في مناطق ماتحت المهاد . وتدل دراسات أخرى على صعوبات في التكيف في جميع المجالات المهنية والاجتماعية والأسرية ، وأيضاً على وجود نمط من صفات الشخصية الذي يتميز بالاندفاعية والقلق والغضب والاكتئاب والانسحاب الاجتماعي والتفكير الذاتي.
ويتضمن العلاج تعديل الأفكار التلقائية الشخصية من خلال العلاج المعرفي والسلوكي . كما بينت الدراسات أن العلاج الدوائي له فوائده في هذه الحالات ولاسيما الأدوية المضادة للاكتئاب التي تزيد من السيروتينين .