تاريخبناء قبة الصخرة المشرفة
الأمويونهم منبنى قبة الصخرة
لقد بات معروفاًتماماً أنه تم الفراغ من بناء قبة الصخرة المشرفة عام 76ه/ 691م أي في فترةالخليفة الأموي عبد الملك بن مروان (65-86ه/ 684-705م)، وذلك حسب النص الماديوالموجود حتى يومنا الحاضر والذي يتمثل بالنقش التذكاري المعمول من الفسيفساءالمذهبة بالخط الكوفي الأموي والواقع أعلى التثمينة الداخلية للقبة في الجهةالشرقية الجنوبية منها (5) .
يقولالنص (( .. بنى هذه القبةعبدالله الإمام المأمون أمير المؤمنين في سنة اثنتينوسبعين تقبل الله منه ..)) وهنا لا للقارئ أن يتساءل كيف تداخل اسم "المأمون" الخليفة العباسي (198-218 ه/ 813 – 833م) مع التاريخ 72 ه .
والجواب هنا أنه أثناء أعمالالترميم التي جرت في فترة الخليفة العباسي المأمون، قام أحد الفنيين بتغيير اسم عبدالملك الخليفة الأموي مؤسس وباني قبة الصخرة، ووضع مكانه اسم "المأمون" ولكنه نسيأن يغير التاريخ حيث تم اكتشاف الأمر بسهولة، ولا نظن هنا أنه كان للمأمون رياً فيهذا الأمر، وإنما جاء من قبيل الصدفة على يدي أحد الصناع.
ولكننا نقول حتى ولو تم تغيير التاريخ فإنه من الصعبالقبول به: ذلك أن التحليل المعماري لمخطط قبة الصخرة يعود بعناصره وزخارفه إلىالفترة الأموية (6) وليست العباسية إضافة إلى ما ورد في المصادر التاريخية (7) مننصوص تؤكد أن الخليفة الأموي عبد الملك بن مروان هو نفسه الذي قام ببناء هذه القبةوصرف على بنائها خراجمصرلسبع سنين .
فلوأجرينا حسابات للمبالغ الطائلة التي أنفقت لبناء هذا المعلم الحضاري، والذي رصدلبنائه خراج أكبر ولاية إسلامية (مصر) ولمدة سبع سنوات فإننا سنجدها اليوم تقدربملايين الدولارات. وإن دل هذا على شيء فإنما يدل على الاستقرار والرخاء الذي كانيعم الخلافة الإسلامية في الفترة الأموية والتي تعكس تأثير القوة الاقتصادية لهذهالخلافة الإسلامية الحديثة أمام الإمبراطوريتين العظميينالبيزنطيةوالفارسيةفيذلك الوقت .
وهذا يقودنا إلىالسؤال عن السبب الكامن خلف بناء قبة الصخرة بهذه الفخامة والعظمة، فمما لا شك فيهأن السبب المباشر في بناء هذه القبة هو السبب الديني حيث لولا وجود "الصخرة" بالتحديد التي عرج عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم، حسب ما هو مثبت في العقيدةالإسلامية لما ورد فيالقرآنالكريموالأحاديث الشريفةوالروايات التاريخية المنقحة، فلولا وجود هذه الصخرة كرمز ديني إسلامي ارتبطتبمعجزة الإسراء والمعراج لما قدم الخليفة عبد الملك بن مروان ليشيد هذه القبة فوقها .
وهذا يجعلنا نستبعد التبريرالسياسي الذي أورده اليعقوبي (
، واتهم فيه الخليفة الأموي عبد الملك بن مروانبنية تحويل قبلة الحجاج عن الكعبة المشرفة فيمكةالمكرمةإلى الصخرة في بيتالمقدس مانعاً في ذلك مبايعة الحجاجلعبدالله بنالزبيرفي مكة. إذ لا يخفىعن بال كل فطين شيعية المؤرخ اليعقوبي ومدى معارضته للخلافة الأموية التي أكثر منتشويه صورتها أمام الخلافة العباسية .
فليس من المنطق إذن أن نقبل رواية مدسوسة على الخليفة الذي حكم فترةتزيد عن العشرين سنة وعرف عنه خلالها الحزم والحكمة السياسية وقوة الإرادة وبعدالنظر والاهتمام بالعقيدة الإسلامية، فكيف يعقل لخليفة في مثل هذه الصفات وصاحبتاريخ عظيم، أن يقدم على التلاعب بركن من أركان الإسلام (الحج) بهذه البساطة التييرويها اليعقوبي .
ولكننا نتساءلهل كان ضرورياً أن يبنيها بهذه العظمة والفخامة، إذ كان يستطيع أن يبنيها بشكل أبسطوغير مكلف، ولكن إذا أمعنا النظر بالظروف التي أحاطت بتلك الفترة عشية بناء القبةوحللناها نجد أنه كان لا بد لأمير المؤمنين الخليفة عبد الملك بن مروان أن يبني هذهالقبة بهذا الشكل لإظهار عظمة وقوة الخلافة الإسلامية الحديثة في حينها أمامالقوتين العظميينالفرسوالروم. ذلك أنهإبان الفتوحات الإسلامية لبلادالشام، كان السكان في هذه البلاد إما نصارى أو وثنيين ومنهم مندخل الإسلام مع الفتوحات، ولكنهم بقوا ضعفاء الإيمان فكيف لا وهم اعتادوا على رؤيةالحضارة البيزنطية تتألق من خلال مبانيها الفخمة مثل الكنائس والقلاع وخاصة كنيسةالقيامة في القدس الشريفوكنيسةالمهدفيبيتلحم (9). فما كان للخليفةالأموي إلا أن يبني هذه القبة العظيمة محاكياً فيها العمارة البيزنطية ليبين ويثبتللسكان مدى وقوة الدولة الإسلامية الجديدة .
وقد أكد هذا السبب المؤرخ الجليل المقدسي المتوفى عام985محينما وضحه أثناء مناقشته مع عمه (البناء) بخصوص العمارةالأموية في عهد الخليفة عبد الملك بن مروان وولده الوليد، حيث يقول في ذلك ما نصهعلى لسان عمه (10) ((.. ألا ترى أن عبد الملك لما رأى عظم قبة القمامة (القيامة) وهيئتها خشي أن تعظم في قلوب المسلمين فنصب على الصخرة قبة على ما ترى ..)) .
يتبــــــــــــــــــــــــــع