2- المرأة بعد الإسلام:
أما الإسلام فقد هدم جميع مفاهيم الجاهلية عن المرأة، ونظر لها نظرة عميقة شاملة، فكان المبدأ الإسلامي الأول في التاريخ قوله تعالى «يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا». النساء (1).
وقال تعالى «وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَاللّهُ عَزِيزٌ حَكُيمٌ». البقرة (228). وللرجال عليهن درجة أي أن الله كلّفه بالإنفاق، أما أمام الشرع والقانون فهما في درجة واحدة سواء بسواء.
وقال تعالى «وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَـئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللّهُ إِنَّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ». التوبة (71).
فلم يفرق الله تعالى بين النساء والرجال، بل جعلهم رتبة واحدة، ولحمة منسجمة، بعضهم أولياء بعض.
وقال صلى الله عليه وسلم «إنما النساء شقائق الرجال» رواه أحمد وأبو داود والترمذي.
وقال أيضاً في الحديث الذي يرويه أبو هريرة رضي الله عنه «أكملُ المؤمنينَ إيماناً أحسنهُم خُلقاً. وخياركُم خياركُم لنسائِهِم». رواه الترمذي وقال: حسن صحيح.
والمرأة لعبت في الحياة السياسية درواً هاماً، فها هي أم سلمة رضي الله عنها تشير على رسول الله صلى الله عليه وسلم في صلح الحديبية، بعد أن أمر النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه أن يتحللوا ويعودوا إلى المدينة بدون دخول مكة لأداء العمرة، بعد أن صالح مشركي قريش، فرأى النبي أن أصحابه بدؤوا يرفضون هذا الصلح، فأهمّه ذلك وأغمه، وأصابه حزن شديد، وخاف على أصحابه من عقاب الله إن هم عصوا أمره، فأشارت عليه أم سلمة: أنْ قم وتحلل فإذا رأوك فعلت ذلك اقتدوا بك، ففعل رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان ما توقعت، ففرجت عن رسول الله صلى الله وعليه وسلم، وحلّت المشكلة، ولولا رأيها وحكمتها لكان أصاب المسلمين شرُّ عظيم، حتى قال إمام الحرمين «لا يعلم امرأة أشارت برأي فأصابت مثل أم سلمة».
وظهرت في صدر الإسلام وعهوده الذهبية النساء العالمات، والمحدثات، والفقيهات، والمجاهدات، والعاملات، وظهرت أسماء عظيمة لا يزال التاريخ يخط حروفها بماء الذهب، وتصدح حناجر الخطباء بالاستشهاد بها للمرأة المسلمة، أمثال نسيبة بنت كعب التي شاركت في بيعة العقبة مع الرجال، وشاركت المسلمين في ساحات الجهاد، ودافعت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بجسدها تتلقى عنها الطعن والرماح.
وفي الدين الإسلامي دلائل وشواهد كثيرة يضيق المقام عن حصرها، ولكن يكفي أن نعرف أن الله أناط بالمرأة تكاليف مثل الرجال، وأوجب لها حقوقاً مثلهم أيضاً، وجعل المرأة قرينة الرجل، وفي سنة رسول الله تعالى من القصص والتعاليم ما يشفي صدر الباحث والمتأمل.
ومن الخطأ الفادح الحكم على النظام الإسلامي في حق المرأة من خلال مشاهدة وضعها الحالي في بعض المجتمعات الإسلامية، فإن على الباحث المنصف أن يدرس الإسلام كدين ونظام، لا أن يكتسب هذه المعرفة من واقع يعيش الآن بعيداً كل البعد عن روح الإسلام وتعاليمه الطاهرة، ذلك أن قروناً طويلة مرت على بدء انتشار الإسلام جعلت الناس يتساهلون في تطبيق ما أمر به الشارع الحكيم فيما يختص بحقوق النساء، وعادت لتظهر بعض العوائد الجاهلية، وتتأصل من جديد بعض المفاهيم السقيمة، وتنحدر حقوق المرأة هبوطاً بعد أن أقرها الإسلام ورفعها عالياً.
إذاً، لقد نالت المرأة بعد ظهور الإسلام جميع حقوقها، وأصبحت لها شخصيتها وكيانها الحقيقي، بل إن المرأة لم تكن في عهد من العهود أكرم وأكثر احتراماً من الصدر الأول للإسلام، وها نحن هنا نسوق لك هنا بعض الشواهد المختصرة تدليلاً على ذلك، وتمكيناً لما أوردناه آنفاً:
قصة «أم كجة» الأنصارية:
وأم كجة هذه سيدة من سيدات الأنصار، تزوجت الصحابي الجليل أوس بن ثابت رضي الله عنهما، وكان صاحب أموال ومتاع وغنى، ولكنه استشهد في يوم أحد، فضمت إليها ابنتيها، وبدأت تنفق عليهما من مال أبيهما رحمه الله، وجاء سويد وعرفجة ابنا عم زوجها، فأخذا كل المال الذي تركه لها أوس. فاشتكت أم كجة لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالت: إن أبا كجة ترك لي مالاً حسناً، وما لي من مورد أنفق به على ابنتي سوى هذا، وإنهما بنتان لا يطعمن ولا يسيقين ولا يكسين، وإن ابنا عم زوجي أخذا كل المال ولم يتركا لنا شيئاً.
فاستدعاهما رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالا: يا رسول الله، إنما هاتان بنتان لا يركبان خيلاً، ولا يحملان سلاحاً، ونحن نطعمها ونسقيهما، فما حاجتهما للمال!!. فأنزل الله تعالى في سورة النساء قوله «لِلرِّجَالِ نَصيِبٌ مِّمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاء نَصِيبٌ مِّمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيبًا مَّفْرُوضًا».النساء (7). ليغير بذلك مفاهيم الجاهلية، ويبطل عاداتها السيئة، وليضع قانوناً يساوي المرأة بالرجل، وينهي استعباد الرجل لها، ويعيد لها كرامتها وحقها.